
جغرافية كشمير: تقع كشمير في الشمال الشرقي من باكستان ، وتحيطها باكستان من جزء من شمالها الغربي ومن غربها ومن جزء من جنوبها الغربي ، وتحدها الصين الشعبية من جزء كبير من شمالها ومن شرقها ومن جزء صغير من جنوبها الشرقي ، وتحدها هندستان من جزء من جنوبها . فهي متاخمة لخمس دول وهي : باكستان ، وأفغانستان ، والاتحاد السوفييتي ، والصين ، والهند .
مساحتها 217935 كم2 ، وعدد سكانها حاليا حوالي تسعة ملايين نسمة ، تبلغ نسمة المسلمين أكثر من 90 % ، والباقي من الهندوس والسيخ والبوذيين. وكانت تشمل حتى وقت تقسيمها على ثلاثة مناطق هي : جمو وكشمير ومناطق الحدود .
وهي بلاد جبلية فيها سهلان ، أو واديان ، هما وادي جمو ووادي كشمكير ، طيبة المناخ كثيرة الأنهار والغابات ، وأنهارها الكبيرة هي السند وجليم وجناب ، وهي الأنهار التي تنساب إلى باكستان وترويها ، وهي أجمل بلاد العالم من حيث مناظرها الطبيعية ، ومناخها البارد وتغمر بعض مناطقها الثلوج شهورا طويلة من السنة ، وفواكهها وخضارها كثيرة . وأخشابها تمثل ثروة طبيعية هامة ، وتربى في مراعيها أعداد كبيرة من الماعز الكشميري المشهور بصوفه الكشميري الثمين .
وتم اكتشاف الياقوت فيها عام 1404 هـ / 1983 م . عدا معادنها الثمينة الأخرى .
فهي في موقع جغرافي حساس من وجهة النظر الإستراتيجية ، ذلك لأنها تضم الممرات والثغرات في المرتفعات الشاهقة الوعرة ، وأنها تحكم التحركات على الطرق ومحاور الاتجاهات بين أرض الهند وشبه القارة بصفة عامة وبين أرض التبت من وراء الجبال شمالا ، وكأنها بذلك أحد الأبواب التي تقيم الصلة بين الهند وآسيا .
الأهمية الاستراتيجية:
أ- أهمية كشمير بالنسبة للهند
تمثل كشمير أهمية إستراتيجية للهند جعلها شديدة التمسك بها على مدى أكثر من خمسين عاما رغم الأغلبية المسلمة بها ورغم الحروب التي خاضتها واستنزفت من مواردها البشرية والاقتصادية الكثير، وتتلخص هذه الأهمية فيما يلي:
1- تعتبرها الهند عمقا أمنيا إستراتيجيا لها أمام الصين وباكستان.
2- تنظر إليها على أنها امتداد جغرافي وحاجز طبيعي مهم أمام فلسفة الحكم الباكستاني التي تعتبرها قائمة على أسس دينية مما يهدد الأوضاع الداخلية في الهند ذات الأقلية المسلمة الكبيرة العدد.
3- تخشى الهند إذا سمحت لكشمير بالاستقلال على أسس دينية أو عرقية أن تفتح بابا لا تستطيع أن تغلقه أمام الكثير من الولايات الهندية التي تغلب فيها عرقية معينة أو يكثر فيها معتنقو ديانة معينة.
ب- أهمية كشمير بالنسبة لباكستان
أما أهمية إقليم كشمير بالنسبة لباكستان التي تعتبرها خطا أحمر لا يمكن تجاوزه أو التفريط فيه، فيمكن تلخيصها فيما يلي:
1- تعتبرها باكستان منطقة حيوية لأمنها وذلك لوجود طريقين رئيسيين وشبكة للسكة الحديد في سرحد وشمالي شرقي البنجاب تجري بمحاذاة كشمير.
2- ينبع من الأراضي الكشميرية ثلاثة أنهار رئيسية للزراعة في باكستان مما يجعل احتلال الهند لها تهديدا مباشرا للأمن المائي الباكستاني.
وصول الإسلام إلى كشمير :
وصلها الإسلام مبكرا في أواخر القرن الأول الهجري . وفتحها هشام بن عمرو التغلبي والي السند في عهد أبي جعفر المنصور ( 136 – 158 هـ ) . وزاد انتشار الإسلام في عهد المعتصم 218 – 227 هـ . وتمكن فيها في مستهل القرن الرابع عشر الميلادي ، عندما وصلها داعية اسمه بلبل أمكنه أن يقنع أحد حكامها باعتناق الإسلام فسمى نفسه شمس الدين ، فكان أول حاكم مسلم لكشمير . وبدأ به حكم أسرة شاه مرزا التي حكمت كشمير بالعدل إلى أن ضمها جلال الدين أكبر شاه عام 995 هـ إلى دولة المغول الإسلامية بالهند .
واستفحل الإسلام على يد الداعية سيد علي الهمذاني الذي وصلها حوالي عام 729 هـ / 1388 م من فارس . وصحبه في هجرته تلك أكثر من 700 داعية مسلم . وأصبحت جزءا من الدولة الإسلامية الهندية منذ عام ( 740 هـ / 1399 م ) . وقامت بدورها في نشر الإسلام ، وحمله إلى التبت على يد تجارها ، وقد وصل الإسلام التبت أيضا عن طريق يونان .
ولما ضعفت دولة الهند الإسلامية إستطاع أن يسيطر السيخ على كشمير بزعامة المهراجا ( رانجيت سنك ) عام 1224 هـ / 1809 م .
وهزم الانجليز السيخ عام 1255 هـ / 1839 م وأبقوا عميلهم ( كولاب سنغ الهندوكي ) من أسرة ( دوجرا ) أميرا على كشمير المسلمة مقابل 75 مليون روبية ثمنا لولايته ، دفعها للحاكم البريطاني لمدة مائة عام . كما تقرر في معاهدة أمريستار عام 1263 هـ / 1846 م ، على أن يعترف بالسيادة البريطانية عليه مثلما حدث في سائر الإمارات. فبدأت مأساة كشمير ، وبدأ الظلم يعم أهلها ، فعلى الرغم من خيراتها الكثيرة وإمكاناتها الواسعة أصبحت في أسوأ حال بسبب طغيان كلاب سنغ وخلفائه من أسرة دوجرا .
حال المسلمين في ظل حكم أسرة ( دوجرا ) الهندوكية :
كان حكم كلاب سنغ مضرب المثل في الضرائب التعسفية والقوانين الجائرة وسوء معاملة الرعية .
وكان عبء هذه الضرائب يقع بصفة مباشرة وغير مباشرة على المسلمين ، بصفتهم أغلبية السكان ، بل كان الحاكم يفرض على المسلمين ضرائب خاصة ، كالضرائب التي فرضها على الأضحية التي يضحي بها المسلمون في عيد الأضحى .
وكان يسمح لغير المسلمين بحمل الأسلحة بغير ترخيص ، أما المسلمون فلا يحملونها إلا بتصريح يحصلون عليه بشق الأنفس . وكان ذبح البقر ممنوعا في الإمارة .
وإذا اعتنق الهندوسي الإسلام يفقد كل حقوقه في الميراث ، بينما إذا ارتد المسلم عن دينه تترك له كل أملاكه ، وكانت نسبة غير المسلمين في الوطائف تصل إلى 80 % ، وأما الجيش فكان 85 % من غير المسلمين . وكانوا يستوردون الجنود من خارج الولاية ، لأن غير المسلمين في الولاية لا يسدون العدد الكافي . في حين كان يضطر المسلمون إلى الانضمام للجيش الهندي البريطاني .
وكان اسم المسلم مرادفا لإسمي الحطاب أو السقاء ، ويعهد إليه بكل نوع من الأعمال الحقيرة القذرة ، في حين كان الهندوكي محترما في أنظار المجتمع ، ومنعت صلات المسلمين بالخارج . وفتحت لهم السجون.
المقاومة الإسلامية لسياسة السيخ والهنادكة : يعتبر الشاعر الدكتور محمد إقبال أحد أبناء كشمير ، وكان لفلسفته دور كبير في بعث روح الإيمان والجهاد لدى المسلمين في كشمير ، فدارت أول معركة بين المسلمين والهندوس في 13 / 7 / 1931 م في مدينة سرينكر سقط فيها آلاف المسلمين بين قتيل وجريح. بمساعدة المستعمر الإنجليزي الذي بقي يؤازر هذه الأسرة.
ونظرا لهذه المظالم بدأ المسلمون يعملون على إيجاد تنظيم لهم يطالب بحقوقهم فكان : المؤتمر الإسلامي لعموم جمو وكشمير بزعامة الشيخ محمد عبد الله – الملقب بأسد كشمير – وتشودري غلام عباس . وعقد دورته الأولى عام 1932 م برئاسة الشيخ محمد عبد الله ، وبرزت مطالب المسلمين في إيجاد هيئة تشريعية شعبية لهم تنظر في مصالح الناس . . . فاضطر المهراجا أن يوافق على تكوين الجمعية التشريعية ، على أن تكون مجرد هيئة استشارية ، وأفرج عن المعتقلين وفيهم تشودري غلام عباس رئيس المؤتمر منذ 1934 م . واستمر نفوذ المؤتمر في ازدياد حتى أحرز عام 1938 م 20 مقعدا من 21 واتخذ موقف النقد للحكومة لإهمالها مصالح الرعية .
وفي عام 1358 هـ / 1939 م تألفت هيئة جديدة سميت : حزب المؤتمر الوطني ، وانضم إليه بعض الزعماء المسلمين ، ومنهم الشيخ محمد عبد الله ، الذي كان من قبل أحد زعماء المؤتمر الإسلامي ، واتخذ هذا الحزب شعارا : خدمة مصالح الشعب ، وبالتالي خدمة المسلمين .
ووجدت الرابطة الإسلامية لعموم الهند صدى لها في كشمير ، واستقبل المسلمون فيها دعوة جناح بإنشاء دولة باكستان بحماس وترحيب .
وفي عام 1364 هـ / 1944 م وجه حزب المؤتمر الوطني ، وحزب المؤتمر الإسلامي ، دعوة للسيد محمد علي جنه ، رئيس الرابطة الإسلامية ، لزيارة كشمير ، حيث قوبل بحماس بالغ ، وظهر التقارب بينه وبين حزب المؤتمر الإسلامي , فأقلق هذا زعماء حزب المؤتمر الهندي والمهراجا . وأضعف مركز الشيخ محمد عبد الله أمام الأغلبية المسلمة . فتقرب المهراجا من الشيخ واختاره وزيرا ، ففقد هو وحزبه ما بقي لهما في نفوس المسلمين الكشميريين من ثقة واحترام ، ولعل هذا ما دفع الشيخ محمد عبد الله للقيام بحركته عام 1366 هـ / 1946 م ضد المهراجا ، وطالبه بترك كشمير لشعبها يحكمها ويتولى أمرها . وعرفت حركته باسم : ( حركة انزحوا عن كشمير ) ، على غرار حركة حزب المؤتمر الهندي ضد بريطانيا : ( انزحوا عن الهند ) ، فاعتقله المهراجا ، وحكم عليه بالسجن تسع سنين . وحاول نهرو التدخل فمنعه المهراجا هري سنغ من دخول سرينكر فاضطر للرجوع .
ولكن بعد أن أعلن تقسيم الهند عام 1367 هـ / 1947 م أخرجه من السجن بناء على طلب نهرو ، وعينه رئيسا للجنة الطواريء في الولاية . وأعلن رفضه الإستقلال على أساس إسلامي ، وأنه يفضل الشكل الوطني القومي ، فحملت جماعته اسم ( المؤتمر القومي لجامو وكشمير ) . بينما ظل زعماء حزب المؤتمر الإسلامي وعلى رأسهم تشودري غلام عباس في السجن . وأعلنوا تمسكهم بمباديء الإسلام ، وأن الجهاد الإسلامي هو الطريق للاستقلال بلا مهادنة ولا مساومة . فاتفق الشيخ والمهراجا ونهرو على مناهضة فكرة ضم كشمير لباكستان . وزار المهاتما غاندي كشمير 1367 هـ / 1947 م لعقد الصفقة مع المهراجا .
أما المؤتمر الإسلامي فقد عقد مؤتمرا عام 1367 هـ في سرينكر ، عاصمة كشمير ، واتخذ قرارا أعرب فيه عن ارتياحه وسروره لقيام دولة باكستان ، – وأعلن أنه من المحتم وجوب انضمام الولاية ( جمو وكشمير ) إلى باكستان . كما احتفل المسلمون بيوم باكستان 14 أغسطس ، ورفعوا الأعلام الباكستانية معبرين بذلك عن رغبتهم في الإنضمام لها .
ولجأ الأمير هري سنغ الذي تواطأ مع الهند ، حقدا على المسلمين وخوفا منهم ، إلى الحيلة فأخذ يؤجل قراره الحاسم من يوم إلى آخر فحل يوم 15 أغسطس 1367 هـ / 1947 م وهو آخر يوم محدد لتقرير المصير ، دون أن يحدد موقفه ، ولما أراد المسلمون الإحتفال بيوم باكستان أمر بتمزيق الأعلام التي رفعوها ، وأغلق جميع الصحف الموالية لباكستان . وتابع سياسة العسف والشدة ، وإن ارتبط مع الباكستان في اليوم نفسه بميثاق ، انتقلت بمقتضاه إلى باكستان الواجبات والمسؤوليات التي كانت تضطلع بها حكومة الهند البريطانية، قبل التقسيم في الولاية ، فيما يتعلق بالمواصلات والبريد والبرق . كما تظاهر بأنه يريد أن يقف موقف المحايد بين الهند وباكستان ، ولكنه في حقيقة الأمر كان لا يرغب إطلاقا في أن يعلن إنضمام الولاية لباكستان ، وأخذ في تقوية الحاميات العسكرية المكونة من السيخ والهندوس في المناطق الإسلامية ، وأصدر أمرا في أواخر شهر يوليو 1947 م يقضي بأن يسلم المسلمون أسلحتهم للبوليس . فانفجر المسلمون بثورة في منطقة بونج بقيادة السردار محمد إبراهيم خان ، فأصدر المهراجا الأمر بالقبض عليه ، فتمكن من الهرب إلى باكستان ، وفي مدينة موري وضع أساس حركة تحرير البلاد ، وهي الحركة التي تمخضت بعد ذلك عن مولد ( آزاد كشمير ) أو كشمير الحرة .
واستمر المهراجا في سياسة القمع والشدة ضد المسلمين ، حتى أنه بدأ القضاء عليهم بالجملة ، فاحتجت باكستان ، وتبودلت عدة برقيات شديدة اللهجة ، وفي الوقت نفسه إستمرت الإبادة الجماعية للمسلمين على يد الجند الهنادكة والسيخ ، فأبيد 237000 مسلم على بكرة أبيهم ، وفر أكثر من مليون إلى باكستان. فهب رجال قبائل الحدود الشمالية لنصرة إخوانهم ، واستطاعوا هزيمة الأمير وقواته ، حيث كونوا حكومة آزاد كشمير عام 1948 م ، وفر الأمير من العاصمة سيرينكر إلى مقاطعة جمو ، ومن هناك كتب إلى الهند يطلب منها النجدة ، وإرسال جيش لصد الزاحفين ، وإخماد ثورة الشعب ، وأعلن في هذا الكتاب انضمامه للهند . فقبلت الهند بالطبع إنضمامه ، وأرسلت القوات الهندية بالطائرات في اليوم نفسه ، وتوالت الإمدادات ، ونجحت القوات في إسكات الشعب ، وصد الزاحفين وتثبيت حكم المهراجا ، وما كادت تنقضي بضعة شهور على هذه الغارة الوحشية ، حتى كانت القوات الهندوكية قد اقتربت من حدود باكستان ، التي أرسلت بقواتها إلى آزاد كشمير ، وهكذا ظهرت مشكلة كشمير.
وأمام الحاح الرأي العام الباكستاني ، في دخول القوات النظامية المسلحة حدود كشمير ، لم يسح جناح ولياقت علي خان إلا الاقتراح على الهند إيقاف القتال ، بضغط من ( الفيلد مارشال كلود أو كنلك ) وإصدار بلاغ مشترك من الحاكمين العامين للحكومتين ، بإجراء إستفتاء تحت تصرف الحكومتين . ولكن حكومة الهند رأت أن كشمير أصبحت جزءا لا يتجزأ من بلادها ، فإذا أجري استفتاء فالهند هي التي تقوم به ، وتقدمت بشكوى إلى مجلس الأمن ، تشكو من تشجيع الباكستان رجال القبائل لإثارة الفوضى في بلادها . وأرسل مجلس الأمن لجنة عرفت باسم لجنة الأمم المتحدة لهندوستان وباكستان ، وأصدرت اللجنة قرارين عام 1368 هـ / 1948 م و 1369 هـ / 1949 م ينصان على ثلاث مواد:
1- وقف القتال وتعيين خط له .
2- تجريد الإمارة من السلاح .
3- إجراء استفتاء حر محايد تحت إشراف هيئة الأمم لتقرير مصير الإمارة وانضمامها إلى الهند أو باكستان .
وعلى هذا الأساس توقف القتال في 1 / 1 / 1949 م ، وتعين خط وقف إطلاق النار في 27 / 7 / 1949 م . ولم تحل المشكلة ، لأن الهند لا تريد التخلي عن كشمير مهما تكن رغبات أهلها . وتوالى المندوبون من قبل مجلس الأمن دونما فائدة . واتخذت الهند من الشيخ محمد عبد الله حجة ، وعينته رئيسا لوزارة كشمير . ولما وافق على الإستفتاء عزلته ووضعته في السجن عام 1373 هـ / 1953 م ، وعينت مكانه بخشي غلام محمد ، الذي أخذ يعمل مع دهلي في تقويض استقلال كشمير ، فأعلن نهرو 1376 هـ / 1956 م إلغاء اتفاقية الإستفتاء ، وأعلن بالنيابة عن أهالي كشمير انضمام الولاية إلى الهند ، على أساس سياسة الأمر الواقع التي تتغلب على الكلام والنظريات والحقوق . وهي السياسة التي آثرت الهند انتهاجها من أول الأمر تماما كسياسة اليهود في فلسطين .
وبلغ الأمر في مندوب الهند ( المستر كريشنا مينون ) عام 1377 هـ / 1957 م في مجلس الأمن ، وفي خطبته الرسمية في المجلس ، أن أشار إلى مصير المسلمين في الهند وما يمكن أن يتعرضوا له من الشعب الهندوسي ، لو ضمت كشمير لباكستان . وكان هذا الكلام يحمل تهديدا أو تلويحا بالتهديد – أمام أكبر هيئة دولية في العالم – لمصير المسلمين في الهند وهو أنهم معرضون لحملة انتقام بشعة من الهندوس والسيخ لو اتخذ مجلس الأمن قرارا بضم كشمير لباكستان .
أخرج الشيخ محمد عبد الله من السجن عام 1378 هـ / 1958 م ولم يلبث طويلا حتى أعيد إلى السجن لمطالبته بالإستفتاء . وخرج معه صحبه عام 1384 هـ / 1964 م وذهب في رحلة مع زميله أفضل بيك إلى المغرب عام 1965 م ، يشرحان القضية ، فلما عادا قبضت عليهما الحكومة الهندية وأودعتهما السجن ، وأوعزت إلى حكومة كشمير بإلقاء القبض على زعماء جبهة الإستفتاء ، فقبضت على مئات منهم وألقتهم في السجون. وقبضت هندوستان على ناصية الحكم في كشمير ، ومدت سلطانها إلى كل ناحية ، فأنزلت العلم الكشميري ، ورفعت مكانه العلم الهندي على بناية المجلس النيابي في سرينكر ، وغيرت ألقاب بعض كبار الموظفين ، وصرح الوزير الهندي ( ناندا ) عام 1385 هـ / 1965 م :
” لقد ضمت كشمير نهائيا وبلا رجعة إلى هندوستان وأصبحت جزءا منها وقال : أنه لم يعد أي معنى لتقرير المصير “بتأييد من الدول الكبرى ، بل أن روسيا استعملت حقها في الفيتو ضد قضية كشمير عام 1964 م.
وعقب على هذا القول كل من شاستري رئيس وزراء هندستان ، وشافان وزير الدفاع قائلين مثل قوله ، وهددا كل من يصر على غير هذا القول ، بل وطالبا بضم آزاد كشمير إلى الهند .
بعد حملة الإعتقالات 1965 م ، أضربت البلاد احتجاجا على تصرفات الحكومة الهندية ، وقامت مظاهرات تطالب بالإفراج عن المعتقلين ، واشتبكت القوات الهندية بالمتظاهرين ، وقتلوا الكثير من الأهالي ، وألقوا جثثهم في نهر جيلم لكي لا يعرف عدد القتلى . وفرضت رقابة شديدة على الأنباء . وانقلب العصيان هذا إلى ثورة ، وأنشئت لجنة باسم اللجنة الثورية ، وأعلنت بطلان جميع الإتفاقيات التي عقدتها حكومة الهند مع حكومة كشمير العميلة . وأعلنت الحرب على الهند لتحرير كشمير ، واستنجدت بجميع الحكومات والشعوب المحبة للسلام ليمدوا إليها أيدي المساعدة . فشنت الهند حرب إبادة في كشمير ، وباغتت باكستان بهجوم سريع عام 1965 م لتعزل كشمير . فعقد مجلس الأمن جلسة طارئة ، وطلب من الفريقين الكف عن القتال ، ووعد باتخاذ ما يمكن اتخاذه من إجراءات لتسوية المشاكل السياسية التي ينطوي عليها النزاع ، من غير أن يذكر القضية الكشميرية ( سبب النزاع ) ، وهذا محاولة من أمريكا وروسيا تجميد القضية. وأعقب ذلك إتفاقية طشقند عام 1966 م ، وبقيت كشمير المسلمة تعاني تحت الحكم الهندوسي ، ولكن أصبح لها بعض الإمتيازات الخاصة في الدستور الهندي ، فقامت الحكومة المركزية في الآونة الأخيرة بتدبير مؤامرة لتغيير الحكومة المحلية بصورة تتفق مع مصالحها بالمنطقة وهذا أمر خطير سيء على رأي الشيخ سيد عبد الله البخاري الكشميري .
أما كشمير الحرة ( آزاد كشمير ) – فتصل مساحتها إلى 40 % فقط من مساحة كشمير الكلية ، وعاصمتها مظفر آباد في الشمال الغربي من كشمير ، وأصبحت تمثل مسلمي كشمير لها جيشها وحكومتها المحلية ما عدا أربع وزارات تتبع الحكومة الباكستانية إداريا وهي : الخارجية والدفاع والمالية والمواصلات .
وبالرغم من كل المؤامرات التي حيكت ضد الحركة الإسلامية فيها ، إلا أن الشيخ غلام عباس ومن معه ، استطاعوا أن يصمدوا أمام تلك المحاولات ، وفي عام 1967 م توفي الشيخ غلام ، فانتخب الشيخ سردار عبد القيوم رئيسا للحركة الإسلامية في كشمير . حيث فاز في أول انتخابات في تاريخ كشمير الحرة سنة 1970 م غأصبح أول رئيس لكشمير الحرة .
وفي عام 1971 م حكم باكستان ذو الفقار علي بوتو بفكره الإشتراكي ، فلم يواجه السردار عبد القيوم مباشرة ، وعقد مؤتمر إسلامي برئاسة السردرا كان من نتائجه :
1- إصدار فتوى بتكفير جماعة القاديانيين .
2- تطبيق الحدود في شارب الخمر والزاني والسارق . وكذلك تطبيق قوانين الزكاة .
3- كرم الشيخ عبد القيوم علماء المسلمين في كشمير ، فجعلهم القضاة في المحاكم والمفتين في القضايا الإسلامية ، ومنحهم صلاحيات كبيرة ، وأنشئت المدارس والمعاهد والمكتبات الإسلامية والمساجد وتوفرت الكتب الإسلامية .
4- أصبحت العطلة الأسبوعية الجمعة بعد أن كانت الأحد ، وأصبح يوم الخميس يوما لتدريس القرآن الكريم .
5- أصبحت هناك محطتان للإذاعة تبث البرامج الإسلامية بصورة مركزة .
وبعد ذلك بدأت المواجهة بين الشيخ عبد القيوم وعلي بوتو ، فاعتقل الشيخ وألقي في السجن ، وبقي في سجنه إلى أن أفرج عنه بعد أن أطيح بعلي بوتو بعد سنتين من اعتقاله ، فعادت الحركة الإسلامية تعمل لإعادة الحياة إلى سابق عهدها في آزاد كشمير.
ويتوفر في آزاد كشمير التعليم المجاني للمرحلة الجامعية بعكس كشمير المحتلة ، وتوجد فيها جامعة كبيرة وضخمة مركزها الرئيسي مظفر آباد عاصمتها ، وتدرس اللغة العربية كمادة أساسية في جميع المراحل الدراسية من الإبتدائية إلى الجامعة . وهناك إقبال شديد لفهم اللغة العربية بين شباب كشمير .
ذيول التقسيم :
نشأت باكستان في ظروف صعبة ، يكفي أن نتصور قيام دولة جديدة بكل أجهزتها الضرورية في ظرف سريع ، فقد كانت دهلي هي العاصمة قبل التقسيم ، والمدن الكبرى كلها تقريبا كانت من نصيب الهند ، ولم تكن كراتشي في عداد هذه المدن مثل بومبي أو كلكتا – وقد انتقل الجهاز الحكومي إليها ليواجه مصاعب الدولة الجديدة وضرورياتها . وفي الوقت نفسه جابهت هذه الدولة الجديدة الناشئة ظروف تدفق اللاجئين الذين بلغوا نحو سبعة ملايين وما يحتاجه هذا العدد من توفير الإقامة له وحل مشاكله .
وقد رسمت الحدود دون اعتبارات إقتصادية ، فالأراضي والمدن التي كانت من نصيب الباكستان لم يكن لها من الثروة المعدنية ولا من المراكز الصناعية مثل ما كان للهند ، بل كانت شبه خالية تقريبا من ذلك ، وهذا من أساليب الإنجليز الذين أهملوا المناطق الإسلامية ، وركزوا الجامعات والمكتبات وعمليات إنشاء الطرق وكل مظاهر العمران الهامة في المناطق التي تسكنها أغلبية هندوكية ، وهذا ما لاحظه نهرو ، ولعله أهم أسباب موافقة نهرو على التقسيم ، على أمل أن لا تحيا باكستان ، وتكون الهندوكية قد تخلصت من المسلمين ، ولعل هذا ما قصده الإنجليز حين خططوا خطوط الحدود . . . فقد قال نهرو :
” وإذا رسم التقسيم بحيث يفصل ما بين المقاطعات التي تقطنها أكثرية هندوسية ، أو أكثرية إسلامية ، فعندئذ تشتمل المقاطعات الأولى ( الهندوسية ) على الجزء الأعظم من الثروة المعدنية والمناطق الصناعية ، وهكذا فإن المقاطعات الهندوسية لن تعاني كثيرا من وجهة النظر هذه ” .
ومن الناحية الثانية فإن المقاطعات الإسلامية سوف تكون متخلفة اقتصاديا وعاجزة ماليا في أكثر الأحيان ، مقاطعات لن تستطيع الحياة بغير مقدار كبير من المساعدات الخارجية وعلى ذلك فستضطر أن ترمي بنفسها في أحضان المستعمر .
وفي الوقت نفسه بقيت لهند الرقعة الواسعة ، وبقيت لها دواوين الحكومة المجهزة ، ووسائل مواصلاتها ، وجيشها بجميع أسلحته ، وموانيها ومطاراتها وكل مقومات الدولة . وأهم من ذلك كله بقيت الحياة تسير كما هي بنظامها المعهود وقوانينها المعروفة ، فاستأنفت الحياة دون شعور كبير بنقص أو حاجة .
والباكستان كما ذكرنا منطقتان متباعدتان فهذا الوضع هو أحد الأوضاع الشاذة والصعبة في تكوين الدولة الجديدة ، وسير حياتها ، فهو وضع يتخلف عنه متاعب عديدة للدولة ، من حيث الحكم والدفاع والإقتصاد والإتصال المباشر بين سكان الدولة الواحدة .
ويشكل الجزءان في الواقع دولتين منفصلتين عملا وزمنا وفكرا لا يربطهما إلا الإسلام ، وهو أقوى الروابط لقيام الأمة ، وقد قامت الدولة الجديدة على أساسه لتجابه تعصبا دينيا آخر ، وفي هذا المجال اعتمدت باكستان الغربية على الروح الإسلامي لتوطيد الصلة بين الشطرين دون أن تلجأ إلى تدعيمها بالدعاية والجهد أو تكافح أعداءها .
لقد كان ينتظر المسلمون أن يعيشوا في ظل دولة إسلامية تحافظ على تنفيذ أحكام الإسلام بحذافيرها ، ولكن الأمور جرت على غير ما يحبونه ، إذ بينما كانوا ينتظرون دولة إسلامية تصان فيها الأخلاق وتمنع المنكرات ويرتفع فيها اسم الإسلام عاليا دون سواه ، وإذ بهم يرون أنفسهم ولم يتغير عليهم شيء ، إلا الأسماء في الوقت الذي أخذت فيه الأيدي الغربية تمتد إلى البلاد والمؤامرات تحاك . فالقائمون على الحكم مسلمون أو كانوا مسلمين وما كانوا يعرفون عن الإسلام إلا شيئا يسيرا ، وكانوا سياسيين ومثقفين ثقافة عصرية ، فأقاموا باكستان على أساس القومية الإسلامية وليس على أساس الحكم الإسلامي .
كان الإستعمار الإنجليزي قد عمل أثناء حكمه على إحياء لغات محلية لتكون لغات قومية ، كما شجع لغته لتكون اللغة الرسمية للهند ، فأحيا اللغة السنسكريتية والبنغالية إلى جانب الأوردية على حساب الفارسية والعربية .
فكان للبنغال لغة إقليمية لها آدابها وصحفها ومجلاتها ، وبالتالي فقد كانت في غنى عن الصحف الأوردية ، وهكذا فإن تبادل المعلومات والآراء بين الشطرين كان وقفا على رجال الحكومة دون الشعب ، إلا طبقة معينة من القوم لها ثقافة خاصة وحريصة على دوام الصلة بين الشطرين .
وعندما قبل البنغاليون التخلي للأوردية لتكون لغة الدولة الرسمية ، كان ذلك لكي يقيموا دولة إسلامية ، فإذا بالباكستان كغيرها من الدول وليس الإسلام هو العنصر المميز لها ، وبمعنى آخر فقدت مقوماتها الأصلية التي قامت على أساسها ، ولجأت إلى الغرب كغيرها تستمد منه دستور حياتها ، فأضاعت رأسمالها ، ولم تحصل على شيء أفضل – وما دامت القضية أصبحت قومية وليست فكرية دينية فليس هناك ما يبرر بقاء الجزئين .
أنظر قول محمد علي جناح عام 1367 هـ / 1947 م أمام المجلس التشريعي مخاطبا أبناء قومه : ” إنكم سوف ترون مع مرور الزمن بأن الهنادكة لن يكونوا هنادكة ، و المسلمين لن يكونوا مسلمين ، ولست أقصد بذلك الناحية الدينية ، لأن العقيدة شيء شخصي ، وإنما أقصد القومية ، وأعني بذلك أن باكستان لن تكون دولة دينية يتولى أمورها علماء دين مهمتهم دينية ، بل ستكون دولة باكستانية يتولى أمورها باكستانيون ، وعندنا كثير من غير المسلمين وكلهم باكستانيون ” .
بل ذهب زعماء المسلمين إلى أبعد من ذلك فتنازل حزب الجامعة الشعبية الإسلامية في البنغال عن كلمة إسلامية ، وأصبح الحزب يسمى حزب الجامعة الشعبية فقط إرضاء للهنادكة.
فانهارت بذلك أحلام المسلمين في الهند بعد أن تحركوا ونزحوا إلى باكستان في تحرك يشدهم بريق الفكرة الإسلامية التي طغت على كل شيء ، ولعلها كانت مدعاة لدعوة تحاول بها خلق وتجسيد فعلي لدولة إسلامية أكبر ، تضم شمل العالم الإسلامي . وبقيت معاناة المسلمين في الهند ومأساتهم في كشمير . واستمرت الهند تقلق حكومة باكستان تمثلت في حروب شنتها عليها عام 1948 م وعام 1965 م وأخيرا عام 1971 م .ش
وفي الوقت نفسه عمدت الهندوكية إلى أساليب مختلفة لفصل باكستان الشرقية عن الغربية .
ولتنفيذه استعان الهنادكة بالحزب الشيوعي ، وبحزب عوامي اليساري ، برئاسة الشيخ مجيب الرحمن . واغتنمت ظروف البلاد وعوامل الإنفصال المتوتر فقامت بغزو البنغال عام 1971 م وانتهت الحرب بانفصال بنغلاديش عن باكستان ثم اعلان جمهورية بنغلاديش التي تعرضت لانقلابات عسكرية متعددة .